-A +A
حسين هزازي (جدة)، خالد الحميدي (مكة المكرمة)، خالد الذيابي (الطائف)
h_hzazi@

HKKK969@


khaledmashan1@

يلف مرض التوحد جملة من الأساطير والاعتقادات الشعبية في العالم، بيد أنه يبقى مرضاً غامضاً لا يدركه إلا من عايش إحدى حالاته. ومحلياً يعاني مصابو التوحد من ضعف المراكز المعالجة لهم، حتى أن جمعية أسر التوحد الخيرية تشير إلى وجود 420 سعوديا مصابا في التوحد في مراكز الأردن وحدها، وسط تأكيدات بارتفاع أعداد المصابين، إذ تشير إحصائية من الجمعية بإصابة حالة واحدة من بين 66 شخصاً في السعودية.

ومر الثاني من أبريل الجاري (اليوم العالمي للتوحد)، دون تغييرات تذكر في معاناة أهالي المصابين، فشد الرحال للبحث عن مراكز تؤوي أبناءهم، ومحاولة إقناع إدارات التعليم بضرورة انخراطهم في العملية التعليمية لا تزال مستمرة، ولم يطرأ عليها تعديل يذكر سوى إلزام شركات التأمين الطبي بتغطية حالات التوحد بحد أقصى 15 ألف ريال خلال مدة الوثيقة، على أن تشمل جميع مصاريف الكشف الطبي والتشخيص والعلاج والأدوية.

كشفت رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لمرضى الفصام ورئيس مجلس إدارة جمعية أسر التوحد الخيرية الأميرة سميرة بنت عبدالله الفيصل آل فرحان عن وجود 420 سعوديا مصابا بالتوحد في مراكز الأردن بسبب قصور الخدمات في المملكة، منتقدة ما أسمته بـ«لا مبالاة» من بعض الجهات الحكومية والوزارات في التعامل مع قضايا التوحديين في المملكة.

وقالت الأميرة سميرة لـ«عكاظ» إن عدم وجود مراكز كافية أو متخصصة لتأهيل التوحديين يدفع الأسر السعودية لإلحاق أبنائها في دول عربية مجاورة مثل الكويت والأردن، مضيفة أن «هناك قصورا تتحمله وزارات الصحة، والتعليم، والعمل والتنمية الاجتماعية تجاه هذه الفئة، فضلا عن عدم تفعيل المشروع الوطني للتوحد بشكل أكبر».

وأشارت إلى وجود موافقة سامية لدعم مرضى التوحد بمبلغ 900 مليون، موضحة أنه من المفترض تقسيم المبلغ إلى قسمين؛ «الأول إنشاء مراكز جديدة، والقسم الثاني دعم المراكز المتخصصة القائمة والمنتشرة في المملكة».

وأكدت وجود نقص في المراكز المتخصصة، إضافة إلى عجز في عدد الأخصائيين المقدمين لخدمات التوحد، مطالبة وزارة الصحة بإصدار كروت للمصابين بالتوحد لتسهيل الخدمة للأُسر.

وبينت أن التشخيص في المملكة لا يستغرق 15 دقيقة للمصاب بالتوحد، منتقدة وزارة الصحة كونها لا تملك عدداً كافياً من العيادات المتخصصة تعالج مرضى التوحد، و«فحص الطفل التوحدي يحتاج إلى أربعة تخصصات تبدأ في المخ والأعصاب، والتواصل، والنفسي، والتربية حتى لا يتم الخلط بين مرض التوحد وبين السلوكيات المكتسبة من البيئة».

وأوضحت أن الإعانة في السابق لا تصرف إلا لمن يحمل شهادة كشف يكتب عليها توحد وتخلف عقلي، مستدركة «لكن الآن تغير الحال وأصبحت الإعانة لكل من يحمل تشخيص توحد».

وقالت إن أعداد المصابين في التوحد أصبحت في ازدياد، فهناك إصابة لكل 66 شخصا سليما، محملة وزارة التعليم جزءا من المسؤولية، كونها الجهة التي تتولى تنفيذ برامج تعليمية للتوحديين ودمجهم في التعليم والمجتمع، «عملت على وضع شروط تعجيزية، منها عدم قبول المصاب بالتوحد الذي لا يستطيع دخول دورة المياه ولا بد أن يتجاوز خمسة أعوام».

وطالبت وزارة التعليم بإعادة النظر في اشتراطاتها القاسية لقبول التوحديين في مدارسها كونها تضع اشتراطات يصعب تحقيقها و«أقل ما توصف بأنها تعجيزية».

واعتبرت أن شرط تجاوز راتب الأب 10 آلاف ريال يحرم الابن من الحصول على خدمات التعليم «غير مناسب»، مضيفة «من المفترض أن تعطى الخدمة لكل المواطنين مهما بلغ الدخل المادي للأب وكذلك من له أكثر من ابن مصاب بالتوحد يجب أن يستفيد من الخدمة».

وشددت على ضرورة دعم أسر التوحديين بغير المعونة السنوية المقطوعة، «لاسيما أن تكلفة تأهيل الطفل التوحدي تزيد على 100 ألف ريال سنويا».

أسر تطارد الأمل وتقطع الفيافي بحثاً عن «التأهيل»

يطاردون الأمل ويسيرون خلف السراب، يبحثون عن العلاج في كل مدينة متجاوزين الحدود الجغرافية، يدفعون كل ما يملكون في حياتهم من أجل رسم الابتسامة على شفاه أبنائهم الذين أضحوا خارج الاهتمام، قصص لآباء وأمهات ركبوا الخطر وسهروا الليالي خارج المملكة معرضين أنفسهم وفلذات أكبادهم للمجهول، متنقلين بين «أوكرانيا للعلاج بالخلايا الجذعية، ومراكز القاهرة للعلاج بالتكامل السمعي والأوكسجين المضغوط، والبحرين للعلاج النفسي».

يحلقون في سماء الأردن في إقامة طويلة قد تتجاوز الأعوام الثلاثة بحثاً عن التخاطب وتعديل السلوك، بعد أن غابت المراكز الحكومية المتخصصة في المملكة وتبخرت الوعود التي تطلقها الجهات المختصة بتوفير العلاج لذوي الاحتياجات الخاصة «أطفال التوحد».

مقرن الربيعي الذي أكمل ربيعه العاشر قبل أسابيع تبحث أسرته عن علاجه في المراكز المحلية في مكة والطائف، ويشير شقيقه طلال في حديثه إلى «عكاظ» إلى أن بحث أسرته عن التأهيل الداخلي لم يتوج بالنجاح «تنقلت بين محافظات المملكة مع أسرتي دون جدوى».

ويقول الربيعي إن كل المراكز التي زاروها تمنحهم الأمل من أجل الكسب المادي، «حتى اضطر والدي للسفر إلى أوكرانيا من أجل العلاج بالخلايا الجذعية ولكنه تراجع بعد ذلك لعدم استفادة الكثير ممن وجدهم هناك، ليغادر إلى أحد المراكز في مصر من أجل العلاج بالأوكسجين المضغوط والتكامل السمعي، إذ أصبح يتردد على المراكز ومعه العديد من المواطنين السعوديين الذين يعيشون في الغربة من أجل علاج فلذات أكبادهم».

كلفة علاج وتأهيل مقرن دفعت والده إلى الاستدانة وشراء سيارات بالتقسيط ومن ثم بيعها من أجل علاج ابنه، فيما يؤكد شقيقه طلال إنفاق والده قرابة نصف المليون ريال، متسائلاً: «هل كل المواطنين الذين يبحثون عن علاج أبنائهم يستطيعون توفير تلك المبالغ؟».

مها أم لثلاثة أطفال كلهم مصابون بالتوحد (الابنة الكبيرة عمرها 12 عاماً، يتوسط الأسرة طفل تجاوز الأعوام الستة، فيما يقبع في آخر ترتيب الأسرة مصاب لا يتجاوز عمره ثلاثة أعوام)، لا تختلف معاناتها عن معاناة أسرة مقرن، بيد أن المعاناة هنا مضاعفة كون المصابين بالتوحد ثلاثة أشقاء. وتقول مها لـ«عكاظ» إنها حاولت بكافة الطرق الحصول على مراكز متقدمة لتعليمهم دون جدوى، «حيث أدخلت أحدهم مركزاً في الطائف، وعانت ابنتي كثيراً في المركز مما أجبرني على إخراجها من المركز ولها الآن أكثر من تسعة أشهر دون رعاية»، مضيفة: «بحثت عن مدربين في البيت، ولكن أسعارهم غالية جداً على وضعنا المادي البسيط، لا نستطيع الصرف ولا نستطيع تحمل الأعباء الكبيرة ومتطلبات العلاج». وفيما يرابط عوض سليم مع زملائه الأبطال على حراسة الحد الجنوبي، لا يستطيع أن ينفك عن التفكير في مآلات ابنه المصاب بالتوحد الذي رفضت استقباله المراكز حتى تتم عملية الدفع المالي المقدم، ويقول لـ«عكاظ» إنه عند مراجعة مركز تابع للشؤون الاجتماعية في الطائف رفض قبوله حتى يتم الدفع، رغم أن المراكز التي تقع تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وتصرف لها المبالغ من الوزارة وليس من المواطنين مما أجبره على ترك ابنه في المنزل وحرمانه من الرعاية في تلك المراكز.

.. ومعلمة تستنجد: محرومون منذ عام!

خدمات مرضى التوحد رغم قلتها إلا أن كثيرا من المراكز المقدمة لتلك الخدمات التأهيلية والعلاجية تتمركز في المدن السعودية الكبرى، ما يعمق من معاناة الأهالي، ويؤكد أبو أحمد القاسم (والد طفل توحدي) أن معاناة أطفال التوحد تزداد عاما بعد عام في الطائف.

من جهته، أوضح المتحدث باسم تعليم الطائف عبدالله الزهراني أن عدد الطلاب من البنين المسجلين بلغ 60 طالبا مصاباً بالتوحد يدرس منهم 50 طالبا بمعهد التربية الفكرية، كما يوجد 10 طلاب يدرسون في فصول للتوحد بمدرستين. وانتقدت معملة التربية الخاصة ريما المالكي ما أسمته بـ«عطالة أطفال التوحد عن التعليم والتدريب لمدة عام كامل في مدينة الطائف»، معتبرة أن المشكلة تكمن في قلة برامج التربية الخاصة بشكل عام في القطاع الحكومي وتخبط الوضع في الاحتياج السنوي بوزارة التعليم.

وقالت إن عددا كبيرا من الطلبة المصابين بالتوحد لم يتلقوا التعليم والتدريب، محمّلة القطاع الخاص جزءا من المشكلة كونه يعد اليد الثانية في المساعدة والنهوض في تطوير وتقنين هذه البرامج «إذ تم التقليص والانقطاع التام في وجود هذه البرامج الملحّة للمجتمع».

وأضافت: «أغلقت العديد من المراكز الاجتماعية الخاصة بالتدخل المبكر في محافظة الطائف التابعة للتنمية الاجتماعية بسبب عدم الشروط المستوفية لتأهيل واستقبال البرامج التربوية الخاصة، ولم يتم وضع الحلول البديلة للإسهام بحل مشكلة ذلك التجمد».

وتساءلت: «يبقى السؤال ماذا قدمنا من تعليم وتدريب لهؤلاء الأطفال؟ وماذا استفادوا من المجتمع الذي رفض استقبالهم على وجه الخصوص رغم رفعهم لشعارات برامجه ومساعدتهم؟ لماذا لا يقدم التعليم الحكومي برامجه في التدخل المبكر؟ ولماذا لم يقدم التعليم الخاص منحه التعليمية أيضا برغم وجود الإمكانات؟».